المعايير التقيمية في الحوار بين المذاهب الفقهية

هذا بحث يشرح ويحلل ويبين تشابك العلاقات بين المذاهب الفقهية الإسلامية من حيث المصادر والأهداف والمعايير، مستفيداً من فلسفة الفقه وعلم المقاصد وغيرهما، حدّد فيه موقع مباني الشريعة من تمتين العلاقة بينهم على معالم الحق والصواب. والهدف تحديد مصادرهم المندرجة تحت مظلة مشتركة نظراً إلى الإطلاق والنسبية، والأهداف العليا من الحق والخير والجمال التي يبحث عنها الجميع، ومعاييرهم التقيمية من الحل والحرمة ذات التدرجات المتشابهة. وكل ذلك يؤكد أهمية الرابطة الإيجابية بينهم التي هي طاغية على السلبيات إن وجدت، إذ الاختلاف بينهم اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، ييسر ذلك على الأمة سبل تطبيق الشريعة مما يقطع الطريق على شياطين الإنس والجن في إبعاد الناس عن الصراط المستقيم، ومن خلال هذا البحث ستتم الإشارة إلى الرابط بين الفقهاء العموم والخصوص مطلقاً، حيث إنّ الاختلاف بينهما اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، إنّ كثرة وتعدد وتنوع مصادر الفقه ألقى بظلاله ليكون أكثر مرونة وأوسع مدى، وكما تجدى الإشارة إلى أنّ مصادر الفقه الأساسية توقيفية، لكن العقل يتدخل في الاستنباط، ومن خلالها يظهر الارتباط الوثيق بين العقل والنقل، وعندها سيكون من المعلوم الهدف من الفقه والذي هو الوصول للسعادة بالواسطة، والوصول لمنظومة القيم (الحق، الجمال، الخير)، والأهداف الموصولة بالمتفقه تشير إلى سعيه إلى التزام الأوامر الإلهية والضوابط العقلية، والوقاية من الوقوع فيما لا يرضي الله، والبعد عن التشبه بالمذمومين. إنّ المعيار المتحكم في الفقه مع اختلاف مدارسه هو مدى مطابقته لمراد الله سبحانه، ومن هنا فإنّ غرض الحوار الفقهي ليس نفي الآخر، وإنما الوصول للحق من غير منازعة بل عن طريق  المسامحة والمروءة، مع ما يترتّب عليها من نتائج مهمّة على صعيد الفرد والمجتمع.